رواية آبسلوم- لوحة حائطية تكعيبية

إن رواية الكاتب وليام فوكنر آبسلوم تحول نفسها بسهولة إلى لوحة تكعيبية مرئية، فالراوية تثبت أن إحساس الكاتب المرئي بالغ التطور ويظهر ذلك جليا من خلال المقاطع التي يصف فيها الكاتب الشخصيات المختلفة ومشاعرهم ومواقع وأزمنة المشاهد.<br> اختار فوكنر في هذا العمل موضوعا يمكن مقارنته من حيث التعقيد بموضوعات بيكاسو وبراك التي يعيران فيها عن الحياة الساكنة من جهة، وبالشخصيات التكعيبية التي يرسمها سيزان وبمواقع وأحداث ديلوني من جهة ثالثة. إن بدايات الفصلين السادس والسابع لرواية آبسلوم آبسلوم تصف الحياة الساكنة ذاتها، وإن كان الوصف في الفصل السابع يضيف مزيدًا من الزوايا والطبقات مما يجعله يطغى على الفصل السادس. وهذا يذكرنا بالرسم التكعيبي أو بالرسم التجريدي، فكما ((غمس سيزان فرشاة رسمه في الضوء،)) كذلك يغمر فوكنر روايته بضوء يزيد أو يخفف توهجها. في كتابات فوكنر النثرية نفسها نجد أن الجمل غالبًا ما تقاطعها جمل اعتراضية بين أقواس، وهذه الجمل الاعتراضية أيضًا تقاطعها جمل اعتراضية أخرى بأقواس. كما أنه يستخدم شبه جمل أو عبارات فيها شرطة (خط أفقي صغير) في معظم كتاباته. أما بالنسبة لمفرداته، فهي مدهشة وهائلة، فهو عندما لا يجد كلمة مناسبة في صندوق ألوانه يقوم بابتداع كلمة جديدة. ومن أجل أن يحافظ على حاسة الألوان الموجودة عند الرسامين التكعيبين البارعين في التحليل، جعل فوكنر ألوان كلماته ظلالا أكثر منها ألوانا مخففة. والمنظر والصورة المكتملة المرسومة في آبسلوم آبسلوم تدعم وعيا إدراكيا لكل الجنوب الأمريكي وحقيقته. <br> إن لوحة فوكنر آبسلوم آبسلوم تخلق شعوراً ضمنيًّا واضحًا هو عبارة عن شعور عاطفي حزين وكئيب، شعور بالانحدار نحو الهوة، وهذه النوعية العاطفية تتفق كثيرًا مع منهج الرسام التكعيبي ديلوني في لوحاته مدينة باريس والمدينة رقم 2 وحتى النوافذ المتزامنة. <br> ففي الواقع يركب فوكنر في قصته آبسلوم آبسلوم الضوء الفعال نفسه الموجود في لوحة مدينة باريس، الظلام المنذر بالشر نفسه المرسوم في مدينة رقم 2، الخاصية الغنائية الشعرية نفسها المضيئة للوحة النوافذ المتزامنة، ففي رواية آبسلوم آبسلوم نجد أن فوكنر قد كتب، بل رسم ولون بالفعل لوحة حائطية كبيرة وغزيرة المعاني وليس مجرد صورة عادية. <br><br>