(دار جامعة الملك سعود للنشر, 01/01/1998) عائشة سعيد أبو الجدايل
دانت القبائل الجرمانية التي هاجرت إلى منطقة الشرق الأوروبي والتي حطت رحالها على شواطئ الدانوب، بالديانة المسيحية على المذهب الأريوسي، وقدر لهذه القبائل أن تكون لنفسها مكانًا ومستقرًا على شكل ممالك في الغرب الأوربي على أنقاض الإمبراطورية الرومانية، وقد وقفت الكنيسة الكاثوليكية وقفة المحارب، ولم تسمح للمذهب الأريوسي حتى بعد أن تحول بعضها إلى المذهب الكاثوليكي، مثل دولة القوط الغربيين والبرجنديين واللمبارديين. ومن الملاحظ أنه في ظل الحكام الأريوسيين عاش الرعايا الرومان منفصلين عنهم عقائديًا واجتماعيًا، ولم يكن هناك من رابط يربطهم أو يقربهم من الحكام سوى رباط التبعية المشتركة للحكم الجرماني. بينما نجد أن الجرمان الذين دخلوا في الديانة المسيحية ودانوا بالكاثوليكية قد كتب لهم النجاح والاستمرار، مثل دولة الفرنجة التي استطاعت إزالة الفوارق والعوائق التي كانت تقف في وجه غيرهم من الجرمان للتقارب والامتزاج بين الشعوب الجرمانية من جهة، وبين السكان الأصليين ورجال الدين من جهة أخرى. وليس أدل على ذلك من تحالف البابوية مع دولة الفرنجة، ذلك التحالف الذي أعطى حكامها فرصة لتكوين إمبراطورية رومانية مقدسة منافسة للإمبراطورية الرومانية في الشرق.
