المجلد 04

استعراض
مقالة وصول حر كتابة الشعر الجاهلي(دار جامعة الملك سعود للنشر, 01/01/1993) فضل بن عمار العماريظل الاعتقاد فترة طويلة بأن الشعر الجاهلي قد خضع للكتابة قبل فترة التدوين المعروفة. وتحمس لهذا الاعتقاد كثير من الباحثين حتى غلب على مجمل كتاباتهم عن هذه الفترة. فعملوا على بث هذه الأفكار وترويجها على الرغم من حشدهم لتلك الأفكار كل ما وقع تحت يدهم من مادة، كانت تحتاج إلى تأمل وتريث قبل إصدار أحكامهم القاطعة. واندفاعا وراء الحماسة لإثبات صحة الشعر الجاهلي، كان بديهيا أن تتضارب النتائج وتتناقض ولا تتفق مع المقدمات. فإذا كنا ندرك أن الشعر جاءنا شفويا، وإذا كنا نقر بتخلف الخلط العربي في تلك الفترة، وأن الأمية بكل دلالاتها هي سمة ذلك العصر، فكيف يجوز لنا أن نرى في أولئك الشعراء من له المقدرة على كتابة قصيدة أو مجموعة شعرية؟ ولهذا فلا عبرة بما يروى عن كتابة الشعر بخط كالخط المسند، والذي لم يكشف فيه حتى الآن أية دلالة شعرية. وما رواه الإسلاميون بعد ذلك عن شعراء يمانيين قدامى هو محض خيال وتزييف.
ومن ثم فإن كل العبارات التي جاءت في الشعر الجاهلي عن الكتابة كانت إما تشبيهات تعكس الجهل بها، وليس ممارستها، وإما تعبيرات مجازية كان المراد منها النقل مشافهة.
وإذا كان لنا أن نتصور الكتابة في شبة الجزيرة العربية، فهي الكتابة بخطوط غير عربية وبخاصة الكتابات الدينية، ولا يمنع ذلك أن يكون العرب في البيئات الحضرية قد استخدموا الخط العربي في المسائل الرسمية، وهي كتابات دائما يغلب عليها طابع الإيجاز.
ومن هنا كان علينا في هذا الحديث أن نعيد النظر في هذه القضية وأن نتتبع دقائقها لنتوصل إلى ما قد يبدو مقنعا بأن العرب لم يكتبوا شعرا أيا كانت الكتابة إذ لم يكن في قدرة واحد من أولئك الشعراء القيام بذلك.